في عام 1973 قام دكتورفيليب زيمباردو ، (و هو أستاذ محاضر في جامعة ستانفورد ، له كتب ومقالات عديدة وكتب دراسية في مجالات علم النفس) بعمل تجربة سميت بتجربة سجن ستانفورد و هي تجربة تحاكي حياة السجن و تختبر إستعداد الإنسان و سرعة توافقه مع وضعه كسجين أو كحارس داخل السجن.
كان زيمباردو مهتما بمعرفة ما إذا كانت الوحشية التي يتعامل بها الحراس مع السجناء داخل السجون الأمريكية ناتجة عن الشخصيات السادية للحراس (أي أنها ميول عدوانية طبيعية كأعراض لمشاكل نفسية لديهم) أم أنها تتعلق أكثر ببيئة السجن (أي أنها تغيرات تطرأ على شخصياتهم و تفرضها بيئة السجن).
فعلى سبيل المثال: نجد أن أفعال السجناء و متطلباتهم تعارض النظام و القانون بشكل دائم ، الأمر الذي يستلزم من الحراس التعامل بشدة و حزم يصل إلى حد العدائية و التسلط لفرض السيطرة على السجناء و إحلال النظام ، الأمر الذي يدعوا السجناء والحراس للتصرف بطريقة تصادمية باستمرار، بسبب تشدد قوة السلطة داخل البيئة الإجتماعية في السجون.
التجربة
في بداية الأمر، قرر زيمباردو دراسة الأدوار التي يلعبها الناس في حالات السجن ، و لتجهيز مكان مناسب للتجربة قام بتحويل القبو الموجود في مبنى علم النفس بجامعة ستانفورد إلى سجن صورى ، و وضع إعلانا طلبا لمتطوعين للمشاركة في دراسة الآثار النفسية لحياة السجن .
تقدم أكثر من 70 شخصا للاشتراك في التجربة و قاموا بعمل مقابلات تشخيصية واختبارات شخصية لاستبعاد المرشحين الذين يعانون من مشاكل نفسية أو إعاقات طبية أو تاريخ من الجريمة أو تعاطي المخدرات.
في النهاية تم اختيار 25 طالبا جامعيا للاشتراك في التجربة نظير 15 دولار في اليوم الواحد للمشاركة في التجربة.
تم توزيع الأدوار على الطلبة بشكل عشوائي ، بين سجناء و حراس ، و بدأت التجربة بعشرة سجين و إحدى عشرة حارس، تم تقسيم الحراس إلى مجموعات ، كل مجموعة تتكون من 3 حراس و يتناوبون العمل كل ثمان ساعات ، كما تم وضع السجناء في غرف الحجز مقسمين كل ثلاثة في غرفة ، و تم تخصيص غرف كسجن إنفرادي في حال أساء أحد السجناء التصرف .
حاول زيمباردو أن يحاكي بيئة السجن الطبيعية قدر المستطاع.
تم التعامل مع السجناء كمجرمين حقيقيين ، فقد تم ضبطهم و القبض عليهم في منازلهم و دون سابق إنذار ، و أخذهم إلى قسم الشرطة و تصويرهم و أخذ بصماتهم و أخذهم معصوبي الأعين إلى السجن ، و كان السجن في التجربة تم تجهيزه في قبو مبنى قسم علم النفس في جامعة ستانفورد ، مع أبواب و شبابيك تحميها قضبان حديدية ، و جدران صماء و زنازين صغيرة .
فور وصولهم إلى السجن ، تم مصادرة جميع ممتلكاتهم الشخصية ، و تجريد السجناء من ملابسهم ، و حلق شعرهم و رشهم بالماء و البودرة للقضاء على القمل و الحشرات ، وأعطوا ملابس خاصة بالسجن وأغطية للفراش ، و على ملابس السجن كان لكل منهم رقم ، سيعرف به خلال فترة إحتجازه ، فلن يتم إستدعائه إلا بمناداة رقمه و لا يمكنه أن يتحدث عن نفسه أو عن سجين آخر إلا باستخدام الأرقام ، و كانت هذه الطريقة تجعل المساجين دائما يشعرون أنهم مجهولون.
كانت الثياب عبارة عن سترة تم تطريز أرقامهم عليها ، دون ملابس داخلية ، مع غطاء صغير للرأس(كاب) ، و سلسلة مغلقة حول كاحل القدم.
أما الحراس ، فكانوا يلبسون جميعا زيا موحدا من اللون الكاكي ، يحملون صافرة حول عنقهم ، و عصا غليظة تم إستعارتها من الشرطة ، و كانوا يلبسون نظارات شمسية خاصة لمنع التواصل البصري بينهم و بين السجناء.
عمل كل ثلاث حراس في نوبة عمل من ثمانية ساعات (و كان الحراس الآخرين جاهزين تحت الطلب).
وقد صدرت تعليمات للحراس بفعل ما يرونه ضروري للحفاظ على القانون والنظام داخل السجن ، مع مراعاة إحترام السجناء ، و عدم السماح بأية تجاوزات أو عنف جسدي.
راقب زيمباردو سلوك السجناء والحراس (كباحث) ، وعمل أيضا كمراقب سجن.
النتائج:
في غضون فترة قصيرة جدا كان الحراس والسجناء يستقرون في أدوارهم الجديدة ، و لكن تأقلم الحراس كان أكثر سرعة وسهولة.
تأكيد السلطة
في غضون ساعات من بدء التجربة ، بدأ بعض الحراس بمضايقة السجناء ، ففي تمام الساعة 2:30 صباحا قاموا بإيقاظ السجناء من النوم بإطلاق الصافرات مرة واحدة تتبعها عدة مرات ، تم استخدام عدد الصافرات كنداء لأرقام المساجين ، و قد اعتبرت وسيلة تنظيمية للحراس لممارسة السيطرة على السجناء.
وسرعان ما تبنى السجناء سلوكا شبيها بالسجناء الحقيقيين أيضا. كانوا يتحدثون عن أمور السجن لوقت طويل ، ينقلون حكايات عن بعضهم البعض للحراس ، وبدأوا يأخذون قواعد السجن على محمل الجد ، و الالتزام التام بها لأن إنتهاكها سيؤدي إلى كارثة بالنسبة لهم جميعا ، حتى أن بعضهم بدأ يقف إلى جانب الحراس ضد السجناء الذين لا يطيعون القواعد.
العقاب الجسدي
تعرض السجناء للإهانة باستخدام الشتائم والأوامر المكروهة ، ومنحهم مهام مملة و لا طائل منها لإنجازها ، وقد تمت معاملتهم بشكل غير إنساني بشكل عام.
تم استخدام تمرين الضغط كعقاب بدني للسجناء ، و قام أحد الحراس بالمشي فوق ظهر السجناء أثناء قيامهم بالتمرين ، و في مرة أخرى أمر بعض المساجين بالجلوس على ظهر زملائهم أثناء التمرين تغليظا للعقاب.
تأكيد الاستقلال
مر اليوم الأول هادئا دون أحداث ، و لكن فوجئ الحراس بالتمرد الذي إندلع في صباح اليوم الثاني ، حيث خلع السجناء الكاب الذي يغطي رؤوسهم و قاموا بنزع أرقامهم ، و حصنوا أنفسهم داخل الزنازين بوضع الأسرة خلف الأبواب.
طلب الحراس دعما من الحراس المنتظرين تحت الطلب و بقى حراس النوبة المسائية في الخدمة مع زملائهم طواعية.
إحباط التمرد
قام الحراس باستخدام طفايات الحريق التى تطلق ثاني أكسيد الكربون و الذي يثلج الجلد ، وأجبروا السجناء على الإبتعاد عن الأبواب.
بعد ذلك ، إقتحم الحراس الزنازين ، وجردوا السجناء من ملابسهم وأخرجوا الأسرة.
تم وضع قادة التمرد في السجون الإنفرادية ، و بدأ الحراس في مضايقة و ترهيب السجناء الآخرين.
إمتيازات خاصة
تم تعيين إحدى الزنازين الثلاث على أنها "زنزانة مميزة" ، و تم وضع السجناء الثلاثة الأقل تورطا في التمرد فيها و إعطائهم إمتيازات خاصة ، حيث أعاد لهم الحراس ملابسهم وأسرتهم وسمحوا لهم بغسل شعرهم وتنظيف أسنانهم و تناول طعام خاص في وجود السجناء الآخرين الذين فقدوا مؤقتا الحق في الحصول على طعام ، و كان لذلك أثرا كبيرا في كسر التضامن بين السجناء.
عواقب التمرد
خلال الأيام القليلة التالية ، تغيرت العلاقة بين الحراس والسجناء ، فالتغيير في أحدهما أدى إلى تغيير في الآخر ، حيث أيقن الحراس أنهم يستطيعون التحكم بقوة و حزم وأن السجناء كانوا يعتمدون عليهم بشكل كامل.
ومع زيادة إعتماد السجناء على الحراس ، زادت سخرية الحراس منهم ، ومع إزدياد إحتقار الحراس لهم ، أصبح السجناء أكثر إستسلاما.
أصبح الحراس أكثر عدوانية و حزم ، طالبوا السجناء بالرضوخ بشكل كامل لهم ، و عندما كان السجناء يعتمدون على الحراس في كل شيء ، لم يكن أمامهم سوى الإنصياع لأوامرهم و محاولة إرضائهم بشتى الطرق ، مثل الوشاية بالمساجين الآخرين.
السجين رقم 8612
بعد أقل من 36 ساعة من بدء التجربة ، بدأ السجين رقم 8612 يعاني من إضطراب حاد و تفكير غير منظم و بكاء لا يمكن السيطرة عليه وغضب.
هنا تدخل الحراس و تحدثوا معه ، أخبروه أنه شخص ضعيف و سخروا منه ، و لكنهم عرضوا عليه أن يلعب دور المخبر على السجناء الآخرين.
عاد رقم 8612 الى زملائه و ظل يردد "لا يمكنكم المغادرة ، لا يمكنكم الانسحاب"
بعد ذلك بوقت قصير بدأ سجين رقم 8612 بالتصرف بجنون ،فبدأ يصرخ و يلعن و بدأت تنتابه نوبات غضب شديدة بدا خلالها خارج عن السيطرة ".
حتى هذه المرحلة لم يكن الاخصائيين النفسيين مدركين أنه غير مؤهل لاستكمال التجربة بعد.
زيارة من الأهل و الأصدقاء
في اليوم التالي ، أقام الحراس زيارة لمدة ساعة لأصدقاء و أهالي المساجين ، و لكنهم كانوا قلقين من أنه عندما يرى الأهالي حالة السجن ، قد يصرون على سحب أبنائهم من التجربة و العودة بهم إلى المنزل.
قرر الحراس تحسين صورة السجن ، فقاموا بتنظيف السجن و تحميم السجناء ، و تنظيف الزنازين ، وقدموا لهم عشاءا كبيرا ، و وضعوا لهم الموسيقى على مكبرات الصوت.
بعد الزيارة ، إنتشرت شائعة بأن هناك خطة هروب جماعية تحاك بين المساجين ، فقررالحراس الإستعانة بمساعدة ظباط قسم الشرطة التابعين له .
زاد الحراس مرة أخرى مستوى المضايقات ، وأجبروا السجناء على القيام بأعمال وضيعة مثل تنظيف المراحيض بأيديهم العارية.
زيارة الكاهن
قام زيمباردو بدعوة قس كاثوليكي و الذي كان قسيسا في السجن الحقيقي لزيارة السجن و تقييم مدى واقعية التجربة.
عرف نصف السجناء أنفسهم بأرقامهم بدلا من إستخدام أسمائهم ، قابل القسيس كل سجين على حدى و تحدث معهم و سمع منهم و في النهاية أخبرهم أن الطريقة الوحيدة التي سيخرجون بها هي بمساعدة محام.
السجين رقم 819
كان السجين رقم 819 يتحدث إلى الكاهن عندما إنهار فجأة و بدأ في البكاء بشكل هستيري ، فقام علماء النفس المسؤولين عن التجربة بفتح السلسلة الملفوفة حول قدمه ، و أزالوا الكاب عن رأسه ، و أخذوه إلى غرفة ملحقة بساحة السجن حتى يهدأ و يستريح و قدموا له الطعام و وعدوه بأخذه لمقابلة طبيب السجن.
في تلك الأثناء ، قام أحد الحراس بإخراج السجناء و جعلهم يصطفون في صف واحد و طلب منهم الغناء بصوت عال مرددين "السجين رقم 819 هو سجين سيء ، بسبب ما فعله السجين رقم 819".
كان السجين رقم 819 يسمع غناء زملائه ، وعاد إلى غرفتة و أخذ يجهش بالبكاء ، حاول الاخصائيين النفسيين القائمين على التجربة حمله على الموافقة على ترك التجربة ، لكنه قال إنه لا يستطيع المغادرة الآن ، لأن الآخرين يصفونه بالسجين السيء.
العودة إلى الواقع
في تلك اللحظة ، تدخل زيمباردو قائلا: "اسمع ، أنت لست رقم 819 ، أنت [و ذكرإسمه] ، وإسمي دكتور زيمباردو ، أنا أخصائي نفسي ولست مشرف سجن ، وهذا ليس سجنا حقيقيا ، هي مجرد تجربة ، و هؤلاء هم الطلاب ، وليسوا سجناء ، مثلك تماما ، دعنا نذهب. "
توقف السجين عن البكاء فجأة ، و نظر إلى الأعلى وأجاب ، "حسنا ، لنذهب " و كأن شيئا لم يكن.
إنتهاء التجربة
كان زيمباردو قد خطط أن تستمر التجربة لمدة أسبوعين ، ولكن في اليوم السادس تم إنهاؤها بسبب (كريستينا ماسلاش) ، وهي دكتورة في جامعة ستانفورد ، حضرت لإجراء مقابلات مع الحراس والسجناء ، و اعترضت بشدة عندما رأت السجناء يتعرضون للإيذاء من قبل الحراس.
صاحت غاضبة "إنه لأمر فظيع ما تفعله لهؤلاء الأولاد!"
من بين 50 أو أكثر من الشخصيات التي زارت السجن لتقييم التجربة ، كانت هي الوحيدة التي شككت في أخلاقياتها.
ولاحظ زيمباردو في وقت لاحق (عام 2008) أمرا إستعصى عليه تمييزه أثناء التجربة ، و كتب "لم أكن أدرك حتى الآن و بعد مرور فترة كبيرة ، كم تماديت في دوري كمشرف سجن حتى أنني كنت أفكر مثلهم وليس كأخصائي نفسي في مجال الأبحاث".
الخلاصة: سيتوافق الناس بسهولة مع الأدوار الإجتماعية المتوقع منهم أن يلعبوها ، لا سيما إذا كانت الأدوارنمطية و سيئة كما هي الحال في دور حراس السجن.
كانت بيئة "السجن" عاملا مهما في خلق السلوك الوحشي لدى الحراس (لم يظهر أي من المشاركين الذين تصرفوا كحراس ميولا سادية قبل الدراسة).
لذلك ، تدعم النتائج تفسير الظرفية للسلوك أكثر من التفسير الوضعي.
و لتفسير سبب خضوع السجناء في النهاية أمام الحراس ، اقترح زيمباردو أحد سببين
ضعف الشعور بالذات ، قد يفسر سلوك المشاركين خلال التجربة و خاصة الحراس ، هذه حالة عندما تصبح مغمورا جدا بين أعضاء المجموعة بحيث تفقد إحساسك بالهوية والمسؤولية الشخصية.
تعامل الحراس بسادية ، ربما لأنهم لم يشعروا بالتغيير الذي طرأ على شخصايتهم خلال التجربة ، فهم كمن فقد الإحساس بالهويه الشخصية بسبب الزي الذي ارتدوه و انغمسوا في أدوارهم كحراس.
أما عن السجناء فيمكن تفسير خضوعهم للحراس إلى أنهم شعروا بالعجز و أنهم لا يملكون من أمرهم شيئا و أن كل فعل سيقابل من الحراس برد سيء يجعل حياتهم أصعب ،فاختار السجناء الإنصياع للأوامر و الخضوع لفكرة السجن تجنبا لردود أفعال الحراس الغير متوقعة.
بعد إنتهاء تجربة السجن ، قابل زيمباردو المشاركين و إليكم بعض ما جاء في المقابلات:
• قال معظم المشاركين أنهم شعروا بالالتزام اتجاه أدوارهم و أن التجربة البحثية حقيقية بقدر كبير
• قال أحد الحراس: "لقد فوجئت بنفسي ، لقد جعلتهم ينادون بعضهم البعض بأرقامهم وينظفون المراحيض بأياديهم العارية. كنت أعتبر السجناء كماشية يجب مراقبتها جيدا في حال حاولوا شيئاً ما".
- وقال حارس آخر "يمكن للتمثيل أن يكون أمرا ممتعا ، و يمكن للسلطة أن تكون متعة عظيمة" ، أثناء التفتيش ، ذهبت إلى الزنزانة الثانية لإفساد فراش أحد السجناء و الذي كان قد أتم تسويته للتو ، فأمسك السجين بي صارخا أنه قد سواه بالفعل و لن يسمح لي بإفساده ، وأمسك بي من حلقى و ضحك مما جعلني أستشيط غضبا و أضربه على ذقنه بالعصا ، لم تكن الضربة قوية و لكنها ما تمكنت من فعله وقتها لأنني كنت غاضبا حقا .
معظم الحراس أجمعوا على أنهم لم يتوقعوا أن يتصرفوا بالطريقة الوحشية التي تعاملوا بها مع السجناء ، و أنهم لم يكونوا على علم بوجود هذا الجانب المظلم في شخصياتهم ، أو أنهم قادرون على فعل مثل هذه الأشياء.
و تعجب السجناء من إنصياعهم للحراس بهذا الشكل ، و كيف أصبحوا مستسلمين و خاضعين حتى من عرف عنه أنه شخص حازم بطبعه.
و عند سؤالهم عن الحراس ، وصفوا الصور النمطية الثلاثة المعتادة التي يمكن العثور عليها في أي سجن: بعض الحراس كانوا جيدين ، وبعضهم كان صارما لكن عادلا ، وبعضهم كان قاسيا.
التقييم النقدي
• إدعى معظم الحراس فيما بعد أنهم كانوا يمثلون أدوارهم ليس أكثر ، و أن سلوكهم قد لا يتأثر بنفس الطريقة في ظل تلك العوامل في الحياة الحقيقية.
هذا يعني أن نتائج الدراسة لا يمكن تعميمها بشكل مطلق على الحياة الحقيقية ، و لا يمكن إعتبارها نمط حياة السجن بشكل عام ، لذا نستطيع أن نقول أن الدراسة تفتقر للمصداقية الإجتماعية.
ومع ذلك ، هناك أدلة كثيرة على أن المشاركين قد تعاملوا مع التجربة كما لو كانت حقيقية ، على سبيل المثال ، 90٪ من الأحاديث الخاصة التي راقبها الباحثون بين السجناء كانت في ظروف السجن ، و 10٪ فقط من وقتهم كانوا يتحدثون عن الحياة خارج السجن ، و خلال مقابلتهم مع الكاهن ، أشاروا إلى أنفسهم كأرقام وليس بأسمائهم ، حتى أن بعضهم طلب منه مساعدتهم في الحصول على محام لإخراجهم من السجن.
و الحراس أيضا ، نادرا ما كانوا يتبادلون الحديث عن حياتهم الشخصية أثناء فترات الاستراحة ، فهم إما يتحدثون عن السجناء و مشاكلهم أو مواضيع أخرى تخص السجن ، أو لا يتحدثون على الإطلاق.
و كان الحراس ملتزمون بمواعيد العمل ، حتى أن بعضهم كان يعمل لوقت إضافي دون أجر إضافي .
• تفتقر الدراسة أيضا للمصداقية الخاصة بنوعية السكان ، حيث إقتصرت التجربة على مواطنين أمريكيين و كانوا جميعهم من الذكور ، فغير منطقي أن نعمم نتيجة التجربة على النساء أو على المساجين في الدول الأخرى لاختلاف العادات و الثقافات.
على سبيل المثال ، أمريكا هي ثقافة فردية ( حيث الناس عموما أقل إمتثالا) وقد تكون النتائج مختلفة في الثقافات الجماعية (مثل الدول الآسيوية).
من جهة أخرى لا يمكن أن نقول أن تلك الدراسة كانت بلا فائدة على الإطلاق ، فبفضل تلك الدراسة غيرت إدارة السجون الأمريكية بعض إجراءاتها.
على سبيل المثال ، لم يعد الأحداث المتهمون بجرائم فيدرالية يقيمون في السجن قبل المحاكمة مع السجناء البالغين (بسبب خطر العنف ضدهم).
كما يعود الفضل لتلك الدراسة في وضع مبادئ أخلاقية توجيهية فيما يخص مجال الأبحاث من قبل جمعية علم النفس الأمريكية و الإعتراف بها رسميا بعد المعاملة السيئة التى تلقاها المشاركون في هذه التجربة ، يجب أن تخضع الدراسات الآن لمراجعة موسعة من قبل لجنة المراجعة المؤسسية (في الولايات المتحدة) أو لجنة الأخلاق (في المملكة المتحدة) قبل تنفيذها.
الآن يجب أن يقوم تقوم لجنة تحقيق من قبل معظم المؤسسات مثل الجامعات والمستشفيات والوكالات الحكومية بعمل مراجعة للخطط البحثية ، تستعرض هذه اللجان ما إذا كانت الفوائد المحتملة للبحث مبررة في ضوء المخاطر المحتملة للأذى الجسدي أو النفسي ، قد تطلب هذه اللجان من الباحثين إجراء تغييرات على تصميم الدراسة أو إجراءاتها ،و قد ترفض الدراسة كليا إن وجدتها متطرفة في الفكرة أو في خطوات التنفيذ.
تحفظات أخلاقية
قابلت الدراسة العديد من الإنتقادات الأخلاقية ، بما في ذلك عدم الحصول على موافقة المشاركين على ما سيحدث لهم خلال التجربة ، حيث أن زيمباردو نفسه لم يكن يعرف (فقط كان من غير الممكن التنبؤ به).
كما أن السجناء لم يوافقوا على أن يتم القبض عليهم بشكل مفاجئ في منازلهم.
و السبب في ذلك أن الشرطة لم تعطي موافقتها النهائية بالقبض عليهم إلا قبل موافقتهم على المشاركة بدقائق ، فلم يتم إعلامهم بذلك ، كما أراد القائمين على التجربة أن تتم الإعتقالات فجأة رغم أن هذا خرقا صريحا لأخلاقيات عقد زيمباردو الذي وقعه جميع المشاركين.
واجهت التجربة أيضا إنتقادات قوية حيث أن المشاركين الذين يلعبون دور السجناء لم يكونوا محميين من الأذى النفسي و الشعور بالإذلال والألم.
على سبيل المثال حالة السجين 8612، الذ تم إطلاق سراحه بعد 36 ساعة بسبب حالة من الهياج و الصراخ و الغضب كانت قد إنتابته بلا توقف و لم يتمكن أحد من السيطرة عليه ، فلم يكن أمام الباحثين سوى إطلاق سراحه.
دفاعا عن نفسه و عن التجربة ، قال زيمباردو أنه لم يكن ممكنا التنبؤ بالألم العاطفي الذي عانى منه السجناء قبل بدء التجربة .
و الجدير بالذكر أنه قد تم منح الموافقة على هذه الدراسة من قبل مكتب البحوث البحرية ، وقسم علم النفس بالجامعة ، واللجنة الجامعة للتجارب البشرية ، لم تتوقع تلك اللجنة ردود أفعال السجناء الشديدة التي كانت ستحدث.
جاري البحث عن منهجيات بديلة والتي من شأنها أن تسبب ضغطا عاطفيا أقل على المشاركين و في الوقت نفسه تعطي المعلومات المطلوبة ، ولكن لم يتم الوصول إلى شيء مناسب بعد.
تم عقد جلسات مكثفة للمجموعات وجلسات فردية ، لمتابعة الحالة النفسية للمشاركين في التجربة ، و الإطمئنان عليهم و متابعتهم بشكل دوري من خلال المشاركة في استطلاعات ما بعد التجربة على مدار عدة أسابيع ، ثم عدة أشهر ، ثم على فترات سنوية ، و وجد زيمباردو أنه لم يكن هناك آثار سلبية دائمة.
يزعم زيمباردو أن الفوائد المكتسبة من خلال فهمنا للسلوك البشري وكيف يمكننا تحسين المجتمع يمكن أن يوازن الضيق الذي سببته الدراسة.
ومع ذلك ، رأى البعض أن البحرية الأمريكية لم تكن مهتمة بجعل السجون أكثر إنسانية ، بقدر ما كانت مهتمة باستخدام الدراسة لتدريب الجنود الذين يخدمون في القوات المسلحة للتعامل مع ضغوط الأسر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق