الخميس، 3 يناير 2019

هذا المقال من قسم : ,

نصيحة آينشتاين الوحيدة التي يجب أن تعرفها


في عام 1902، كان "ألبرت آينشتاين"، الشاب المُكتئب البالغ من العمر 21 عاماً، على وشك التخلي عن حلمه في أن يصبح فيزيائياً.

قبل ذلك بستة أعوام، كان أينشتاين مُسجلاً في صفوف دبلومة تعلم الرياضيات والفيزياء في كلية التكنولوجيا التطبيقية في "زيوريخ" بسويسرا، وغالبًا فقد كان يترك دروسه، ويقضي أوقات فراغه في محاولة جذب الفتيات، بينما كان يعزف على آلة "الكمان" في حفلات غداء السيدات، وحفلات الشُرب.
وكنتيجة لسلوكه، فقد قام أساتذة "أينشتاين" بتجاهله، وتصنيفه كطالب كسول يشق طريقه نحو مهنة متوسطة بالكاد في مجال الفيزياء.
وبعد تخرجه، لم يتمكن آينشتاين من الحصول على أي وظيفة ، وبالكاد حصل على وظيفة ثانوية كمساعد في مُختبر، ووفكر كثيراً في العمل في مجال بيع وثائق التأمين. بعد عامين من العمل المحبط ، انتقل أينشتاين إلى "برن"، عاصمة سويسرا، للعمل ككاتب في مكتب براءات الإختراع السويسري. كان آينشتاين يعمل ستة أيام في الأسبوع كموظف براءات اختراع ، ولم يتمكن من العثور على أي وقت لتطوير أفكاره العلمية، وكاد أن يتخلى في نهاية المطاف عن العمل في مجال الفيزياء. فماذا حدث؟ في مارس عام 1905، قدم أينشتاين ورقة بحثية تتحدى الإجماع العام بأن الضوء عبارة عن موجات، واقترح بدلاً من ذلك أنه "جسيم". بعد شهرين في مايو من نفس العام ، قدم "آينشتاين" ورقة بحثية ثانية. في هذه المرة تحدّى معتقدات واسعة الانتشار مفادها أن الذرات غير موجودة، وقدم أدلة على وجودها.

لكن آينشتاين لم ينته بعد.

في حزيران / يونيو من عام 1905 ، قدم آينشتاين ورقة ثالثة - أعظمهم على الإطلاق.

اقترح آينشتاين فكرة أن الزمان والمكان متشابهين، وأضفى الطابع الرسمي على أفكاره وأطلق ما يسمى بنظرية النسبية الخاصة.

ثم في سبتمبر 1905، نشر أينشتاين ورقة بحثية رابعة كمتابعة للورقة السابقة. واقترح أن الكتلة والطاقة متكافئين، واستنتج المعادلة الأكثر شهرة في تاريخ البشرية: E = MC ^ 2. في السنوات التالية، أدت هذه الأوراق البحثية الأربعة - التي صدرت خلال ما يسمى بـ"عام المعجزة لآينشتاين" - إلى تغيير جذري في طريقة فهم البشر للعالم. وبحلول نهاية حياته المهنية، نشر أينشتاين أكثر من 300 ورقة علمية، وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء، وأثبت نفسه كواحد من أعظم علماء الفيزياء في كل العصور.
كيف تمكن هذا الباحث الفاشل، والموظف غير المعروف دو الـ 26 عاماً، الذي خُلق ليعيش حياة متواضعة، أن يُنتج فجأة أربع ورقات بحثية رائدة في غضون سنة، كان من شأنها أن تغير مسار التاريخ؟
وما هو أهم درس في الإنتاجية، والنجاح، يمكننا أن نتعلمه من أينشتاين؟.

تطرف البشر في عبادة الإنتاج.

" إذا شعرت بالوحدة وأنت بمفردك، فأنت تعمل في شركة رديئة" - جان بول سارتر.
نحن نعيش في عالم يُكافئ الانشغال، وفكرة "إنجاز الأمور": فنحن نعيش فيما يُشبه سباق قوارض محموم لإتمام قائمة المهام الخاصة بنا، في أسرع وقت ممكن.

بسبب هذه الضجة المنتشرة في كل مكان حولنا، ندفن أنفسنا في الانشغال، ونحاول تحقيق أكثر بكثير مما نستطيع.
كل يوم، نخلق توقعات غير واقعية للرد على كل رسالة بريد إلكتروني في صندوق البريد لدينا، وقضاء وقت ممتع مع عائلتنا وأصدقائنا، وممارسة الرياضة، وقراءة كتاب، والنوم بحلول العاشرة، وهلم جرا.
لكن، هذه المحاولات الفائقة لإنجاز الكثير، والكفاح المستمر لإتباع نصائح، وحيل، وأدوات الإنتاجية الجديدة والخارقة ، أدت بالنهاية إلى المماطلة، والتوتر، والإرهاق، وخيبة الأمل. الأسوأ من ذلك كله، أن عبادة الإنتاجية المتطرفة سلبتنا القدرة على التمتع بالبقاء بمفردنا.
اكتشفت دراسة أُجريت في جامعة "فيرجينيا"، أن المشاركين في الدراسة يُفضلون تعريض أنفسهم للصدمات الكهربائية، بدلاً من ترك بمفردهم مع أفكارهم. على نحو مماثل في حياتنا اليومية، تقوم وسائل الإعلام الاجتماعية، ورسائل البريد الإلكتروني، والأهداف المُعلبة، والأفكار الجديدة، بتشتيت إنتباهنا، وتصعيب البقاء بمفردنا.
لقد باعت لنا "عبادة الإنتاجية المتطرفة" الكذبة التي تقول بأن الملل يجب قتله مهما كلف الأمر، وأن بقاءنا دون أن نفعل شيئًا على الإطلاق، هو استراتيجية غير مُنتجة للأشخاص الكسالى. لكننا، مع ذلك نستطيع خلال لحظات العزلة اكتشاف حلول مبتكرة للمشاكل المألوفة، واكتساب الوضوح لاتخاذ قرارات أفضل.

قضاء وقت بمفردك، دون أن تفعل أي شيء.

في كتابه، "آينشتاين: حياته ، وعالمه"، يقول كاتب السيرة، والمؤرخ ، "والتر إيزاسون" على لسان "أينشتاين" حول أفكاره التي تتعلق بحاجة الإنسان إلى العزلة:
"أنا حقاً مُسافر وحيد، لم أنتمي أبدا إلى بلدي، أو بيتي، أو أصدقائي، أو حتى عائلتي، حاولت بكل قلبي مواجهة كل هذه الروابط، ونتيجة لذلك لم أفقد أبداً الشعور بالمسافة، والحاجة إلى العزلة".
منذ ريعان شبابه، كان لدى "آينشتاين" عادة قضاء الكثير من الوقت بمفرده بعيداً عن أصدقائه، وعائلته، وعمله، لكي لا يفعل شيئاً سوى التفكير. كان يذهب بانتظام للمشي لمسافات طويلة، والتجول في الجبال الهادئة، أو العزف على آلة الكمان، أو الإبحار بقاربه الخشبي ليجد السكينة.

خلال تلك اللحظات من العزلة ، اكتشف أينشتاين حلولًا بارعة للمشاكل الصعبة، يقول الكاتب عنه:

"غالباً ما كان يعزف على الكمان في مطبخه حتى وقت متأخر من الليل، يرتجل الألحان بينما كان يفكر في مشاكل معقدة. ثم فجأة في منتصف العزف، كان يصرخ بحماس، لقد وجدتها!".

ومن عجيب المفارقات أن "آينشتاين" غالباً كان سيأسف بسبب التشتيت الناتج عن أجهزة الاتصالات التي خلفتها اكتشافاته فيما بعد.

 إذا كان أينشتاين على قيد الحياة اليوم، فغالباً كان سيتم وصفه بأنه وحيد، ويحتاج لمزيد من العلاقات الاجتماعية. لكن، بدون وحدته، لم يكن سيحقق أبدًا هذا المستوى الخارق من النجاح في حياته. على مر التاريخ، كانت العُزلة سمة للمفكرين العظام - والقادة، والعلماء، ورجال الأعمال، والكتاب، والشخصيات الدينية، والفنانين - وذلك لحاجتهم للتأمل، وتنقيح أفكارهم مثل: ليوناردو دا فينشي، ومارتن لوثر كينغ، ونيتشه، والمسيح عليه السلام، ونيكولا تسلا، وإرنست همنغواي، على سبيل المثال لا الحصر. وبالمثل، فإن التعود على العزلة من شأنه أن يساعد على تحسين إنتاجيتنا، وإبداعنا، وصنع القرار في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، فأنا غالباً ما أتجول يوميًا في متنزه هادئ، وأسافر بدون سماعات الرأس، وأقضي بضعة أيام في الغابة مرة كل شهرين.

ويمكنني أن أقول بدون أدنى شك، أن أعظم أفكاري، وأكثرها وضوحاً بشأن قرارات الحياة الحاسمة، قد ظهرت خلال لحظات العزلة هذه. ببساطة حاول تخصيص بضع دقائق كل يوم لتكون وحدك، دون فعل أي شيء على الإطلاق. من خلال القيام بذلك، ستُبحر في عبقريتك الداخلية، وسوف تكشف أكثر الطرق فعالية لاتخاذ إجراءات حاسمة.

إعتناق العُزلة.

في سعينا إلى "إنجاز المزيد من الأشياء" ، فقدنا نظرتنا إلى المعنى الحقيقي للإنتاجية. 

لا تدور الإنتاجية حول تحقيق المزيد من الأشياء، بل تتعلق بالقيام بالأمور الصحيحة، وبجهد أقل. أفضل طريقة لمعرفة الأشياء الصحيحة للتركيز عليها، ومعالجتها هي قضاء المزيد من الوقت بمفردك مع أفكارك واعتناقها. ومثل أينشتاين، سوف تُحقق الكثير، وتطلق العنان لإمكانياتك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق